البابُ الثّاني: التّفاعيلُ
الدّرسُ الأولُ: مَدخل
إن ما نسمعُهُ من لفظِ أيّةِ كلمةٍ (في أيّة لغةٍ كانت) هو مجموعُ المقاطعِ الصوتيةِ للحروفِ التي من خلالِ تواليها تُعطي معنًى خاصًّا لتلك الكلمةِ وفي تلك اللغةِ،
ولقد تعلّمنا من البابِ الأولِ (قواعدِ الكتابةِ العروضيةِ) كيف نكتبُ ما نلفِظُهُ بالضّبطِ،
ولو لاحظتم تواليَ الحروفِ لرأيتم أن الحروفَ تكون إما متحركةً بإحدى الحركاتِ الثلاثِ (الفتحةُ، الضمّةُ والكسرةُ) أو تكون ساكنةً.
س: ما عَلاقةُ الحركاتِ والسكونِ بالشّعرِ؟
ج: إن تواليَ الحروفِ المتحركةِ والساكنةِ هو لبُّ الشعرِ وقانونُه الأساسيُّ.
ولكنّ الكلامَ العاديّ هو الآخرَ توالٍ للأحرفِ المتحركةِ والساكنةِ، فما الفرقُ بينهما؟
يكون الشعرُ شعرًا إذا توالتِ الحروفُ المتحركةُ والساكنةُ بترتيبٍ ونظامٍ خاصّين.
وما هو هذا الترتيبُ والنظامُ؟
هو العَروضُ الذي نرغبُ في تعلّمِهِ خلالَ هذه الدورةِ.
قبل شرحِ ذلك، أقولُ ليس بإمكان الفردِ العاديِّ أن يحفَظَ مئاتِ الاحتمالاتِ في توالي الأحرفِ المتحركةِ والساكنةِ، فلو قلتُ لك أن إحدى توالي الأحرفِ في الشّعرِ كما يلي:
متحركٌ+ ساكنٌ+ متحركٌ+ ساكنٌ+ متحركٌ + متحركٌ + ساكنٌ+ متحركٌ+ ساكنٌ+ ...،
هل تستطيعُ حفظَ كلِّ هذا الترتيبِ؟
وما رأيكُ إن وُجدَت عشراتٌ من هذه الترتيباتِ المختلفةِ عن بعضِها البعضِ؟
هذه الصعوبةُ هي التي نبّهت عقلَ العظيمِ الفراهيديِّ لاكتشافِ طريقةٍ أسهلَ في حفظِ هذه الترتيباتِ من دونِ مشقّةٍ.
وتبدأ هذه الطريقةُ بثلاثِ خطواتٍ:
الخطوةُ الأولى: ترميزُ الحروفِ المتحركةِ والسّاكنةِ، حيثُ يُرمَزُ للحرفِ المتحركِ بخطٍ مائلٍ [ ̸]# وللحرفِ السّاكنِ بدائرةٍ [0]#.
ولو أن الفراهيديَّ استعملَ عكسَ هذه الرموزِ فالدائرةُ للحرف المتحركِ والخطُّ المائلُ للحرفِ السّاكنِ، ولكن جرتِ العادةُ في زماننا على هذا الاصطلاحِ.
إذن، أولى هذه الخطواتِ هي رسمُ المتحركِ والساكنِ بعلامةِ الخطِّ المائلِ والدائرةِ .
ولكن كيفَ نحفظُ مئاتِ الترتيباتِ للخطِّ المائلِ والدائرةِ؟
ستبقى الصّعوبةُ قائمةً ما دامتْ هذه الترتيباتُ بالمئاتِ.
قبل أن ندخلَ سويةً عالمَ الخطوةِ الثانيةِ في فهمِ اكتشافِ الخليل الفراهيديّ فلنقرأ هذه المقاربةَ الذّهنيةَ، خلالَ المثالِ التالي:
عندما يزنُ بائعُ التفّاحِ كيلو غرامًا (ألفَ غرامٍ) من التّفّاحِ، هل يستعمل البائعُ ألفَ قطعةٍ من الغرامِ الواحد؟ أم يستعملُ قطعةً واحدةً تعادلُ الألفَ غرامٍ؟
سيكون الجوابُ طبعًا قطعةً واحدةً من الألفِ غرامٍ، ونستخدمُ هنا المنطقَ نفسَهُ لوزنِ الحروفِ المتحركةِ والسّاكنةِ،
فعندما أجدُ في الشّعرِ كلمةً فيها حرفانِ متحركانِ والثالثُ ساكنُ، يصبحُ من الصعب التكرارُ: عندي كلمةٌ فيها حرفان متحركانِ وحرفٌ ساكنٌ،
واكتشفَ الفراهيديّ واضعُ هذا العلمِ الحلَّ حين سمّى مجموعَ الأحرفِ المتحركةِ والسّاكنة بكل أشكالها بمسميّاتٍ خاصةٍ، ومن هنا جاء مصطلحا الأسبابِ والأوتادِ.
نتـيجةٌ:
إن معرفةَ ترتيبِ الحرفِ الساكنِ والمتحركِ هي أساسُ علمِ العَروضِ،
لأن الشاعرَ يقابلُ هذا الترتيبَ بترتيباتِ المتحركِ والساكنِ في البحورِ الشعريةِ فإن وجدها مطابقةً قال عنها أنها من البحر الفلاني وإن لم تطابق ذلك أعاد النظرَ بهذا الترتيبِ.