البابُ الرابعُ أوزانُ البحورِ الشعريّةِ الدرسُ الثامنُ البحرُ الرَّجَز
وزنُ بحرِ الرَجَزِ كما جاءَ في دائرتهِ وهو الوزنُ المستعملُ ذاتُهُ: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ]!
وهو من الأبحرِ التامّةِ أي أنه استوفى جميعَ أجزائه كما هي في دائرته وإنّ حكمَ الزحافاتِ والعللِ لا يختلفُ في ضربهِ أو عروضهِ عنه في حشوهِ.
وللرجزِ أربعُ أعاريضَ وخمسةُ أضربٍ:
1- العروضُ الأولى صحيحةٌ [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! ولها ضربانِ:
الأولُ صحيحٌ مثلها [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! ووزنُ البيتِ: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ]!
كقولِ ابنِ سناءِ الملك (المتوفّى 605هـ): ما لَحظُها سهمٌ وقلبِي مقتَلُ بل كُلُّـها سهمٌ وكُـلِّيْ مَقتَلُ
جوازاتُ الزِّحافاتِ في الحشوِ والضربِ والعروضِ:
لقد وردَ أن هذا الضربَ (وترتيبهُ الأولُ) تامٌّ، بمعنى تماثلُ دخولِ الزّحافاتِ والعللِ في أجزائهِ كلّها بما فيها العروضُ والضربُ،
فيدخل خبنُ الثاني على جميعِ الأجزاءِ [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! فتصيرُ [(مَفاعِلُنْ)]! بصُلوحٍ، وخبنُ رابعها (أي الطيُّ) فتصيرُ [(مُفْتَـعِلُنْ)]! بحسنٍ،
أما الخبلُ (وهو مجموعُ خبنِ الثاني والرابعِ) فتصيرُ [(فَعِلَتُنْ)]! بقبحٍ شديدٍ لتوالي أربعِ حركاتٍ،
ومن واجبِ الشعراءِ أن يُهملوا هذه الصورةَ من الزِّحافِ كما أهملوها في غيرهِ لأنّ تواليَ أكثرَ من مقطعَيْنِ متحركَيْنِ تنفرُ منهُ الأذُنُ العربيّةُ ولا تشعرُ فيه بموسيقى الشعرِ. []*.
ولو انتهت أشطرُ الَّرجَزِ بقافيةٍ واحدةٍ، فإنهُ يكون من مشطورِ الرَّجَزِ فانتبه.
والثاني مقطوعٌ (مَفْعُولُنْ) ووزنُ البيتِ: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفْعُـوْلُنْ]!
كقولِ أحدهم: من جَورِ هذا الخائنِ الدّهرِ الذي لم يُبقِ لي يا صاحبي ناموسا
وهذا الوزنُ يشتبهُ بوزنِ أحدِ أنواعِ بحرِ السريعِ.
وجوازاتُ الزِّحافاتِ في الحشوِ والعروضِ هي كما في الضربِ الأولِ ذاتُها،
عدا أن الضربَ هنا (الضربَ الثاني) لا يقبلُ إلّا خبنَ ثانيه فيصيرُ [(فَعُولُنْ)]! وهو زِحافٌ غيرُ لازِمٍ، أي أن ينتهيَ البيتُ بـ [(مَفْعُـوْلُنْ)]! مرةً أو بـ [(فَعُولُنْ)]! مرةً أخرى.
واستدركَ بعضُهم عروضًا مقطوعةً [(مَفْعُـوْلُنْ)]! شذوذًا ولها ضربٌ مثلها ويكون وزن البيتِ[]*: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفْعُـوْلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفْعُـوْلُنْ]!
وإذا التزمَ الشاعرُ التصريعَ في جميعِ أبياتِ القصيدةِ، فإنهُ يكون من مشطورِ الرَّجزِ فانتبه.
وأجازَ بعضهُم استعمالَ هذا الضربِ مُذَيَّلًا [(مَفْعُولانْ)]! وذلك شاذٌّ، لكنّ المولَّدِينَ استعملوا التذييلَ كثيرًا حتى في غيرِ هذا الضربِ اعتمادًا على كَثرةِ توسّعِ العربِ فيهِ،
فللعربِ توسّعٌ واتّساعٌ في الرَّجَزِ لكثرتهِ في كلامهم لسهولتهِ وعذوبتهِ،كما يقول ابنُ بَرِّي[]*
وإذا التزمَ الشاعرُ التصريعَ فجاءت أبياتهُ على: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفْعُـوْلانْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفْعُـوْلانْ]!
فإنهُ يُصبحُ من مشطورِ بحرِ السريعِ لا من الرَجَزِ.[]
2- العروضُ الثانيةُ المجزوءةُ الصحيحةُ [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! ولها ضربٌ واحدٌ مجزوءٌ صحيحٌ مثلها وترتيبهُ الثالثُ من البحرِ، ووزنُ البيتِ: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ]!
كقولِ مباركِ بنِ حمدِ العُقَيلِيِّ:[]* فارْفِقْ بِصَبٍّ ذي جَوى مِن حَرِّهِ ذابَ الحَشى
وجوازاتُ الحشوِ والعروضِ والضربِ هي كما في الضربِ الأولِ ذاتُها.
ولو انتهت أشطرُ مجزوءِ الَّـرَجَزِ بقافيةٍ واحدةٍ، لأصبحَ الرَّجزُ منهوكًا فانتبه.
حكى البعضُ لهذه العروضِ ضربًا ثانيًا مقطوعًا [(مَفْعُولُنْ)]!.[]* في الأراجيزِ المشطورةِ المزدوجةِ[]*.
3- العروضُ الثالثةُ مشطورةٌ صحيحةٌ [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! "حذفُ نصفِ البيتِ"، وهي الضربُ في الوقتِ ذاتِهِ (وترتيبهُ الضربُ الرابعُ من البحرِ)، ووزنُ البيتِ:
[مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ]!
كقولِ ابنِ قلاقس (وُلِدَ في القاهرةِ في القرنِ السادسِ الهجري): أبيَضُهُ يضحكُ عن مُسوَدِّهِ تختالُ بينَ آسِهِ وَوَرْدِهِ
وقد تُكتبُ الأبياتُ في مشطورِ الرّجَزِ بصورةٍ مستقلّةٍ كما رأيت، وقد يُكتبُ البيتانِ منهُ بصورةٍ مزدوجة [] *كما يلي:
أبيَضُهُ يضحكُ عن مُسْوَدِّهِ تختالُ بينَ آسِهِ وَوَرْدِهِ
وإذا بقيَ بيتٌ منفردٌ كُتِبَ بصورةِ شطرٍ منفردٍ تحت الشطرينِ المزدوجَيْنِ.
4- العروضُ منهوكةٌ صحيحةٌ [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! "حذفُ ثُلُثَيِ البيتِ"، وهي الضربُ في الوقتِ ذاتِهِ (وترتيبهُ الضربُ الخامسُ من البحرِ)، ووزنُ البيتِ:[مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ]!
كقولِ الشاعرِ المصري صبري الصبري (1956 - ): شادٍ شدا قد ردَّدا
[شادِنْ شَدا قَدْ رَدْدَا]@ [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ]!
وأجازوا في الأراجيزِ مجيءَ العروضِ مقطوعةً (وهي الضربُ ذاتُهُ).
ملاحطاتٌ عن بحرِ الرَّجَزِ:
1- يجعلُ عامّةُ النقّادِ بحرَ الرَّجَزِ أحطَّ مرتبَةً من الشعرِ، إذ يعتبرونهُ سَجْعًا وليس شعرًا، وذهب الأخفشُ إلى أن المشطورَ والمنهوكَ منه ليسا من الشعرِ بل من السَّجْعِ،
وقال الفَرَزدقُ: "إني لأرى طَرَقَةَ الرَّجَزِ، ولكن أرفعُ نفسي عنهُ".[]*
2- امتازَ بحرُ الرَّجزِ بالتنَوُّعِ في كَثرةِ التغييراتِ المألوفةِ في حشوهِ وأعاريضهِ وأضربهِ ولذلك سُمّيَ بحمارِ الشعرِ أو حمارِ الشعراءِ.
3- القصيدةُ التي تُنظَمُ على بحرِ الرَّجَزِ تُسمّى أُرجوزةً، والأراجيزُ كثيرةٌ في الشعرِ العربيِّ وبخاصةٍ التعليميِّ منه،
فهناك الألْفِيّاتُ مثلُ ألفيّةِ ابنِ مالكٍ في النحوِ وألفيّةِ ابنِ سينا في الطبِّ.
4- وهناك الرَّجَزُ المسمّى بالمزدوجِ وهو الذي يشتملُ شطرَيْ كلِّ بيتٍ على قافيةٍ تخالف قافيةَ البيتِ قبلَهُ وبعدهُ،
ومثلُ هذهِ الأبياتِ من أرجوزةِ ابنِ عبدِ ربّه في علمِ العروضِ والقافيةِ:
يا طالبَ العلمِ هوَ المِنهاجُ قد كثُرَت من دونهِ الفِجاجُ وكلُّ علمٍ فلَهُ فنونُ وكلُّ فنٍّ فَلَهُ عيونُ
وكما أمكنَ في هذا المزدوجِ أن تتغيّرَ القافيةُ جازَ أيضًا للناظمِ أن يُغيّرَ من وزنِ أواخرِ الأبياتِ فأحيانًا يجعلهُ [(مُسْتَـفْعِـلُنْ)]! وأحيانًا أخرى [(مَفْـعُولُنْ)]! حسَبَ ما يتراءى له.......[]*
5- تنوّعهُ وشذوذُ بعضِ أوزانهِ: ولقد استدركَ بعضهم عروضًا خامسةً مقطوعةً [(مَفْـعُولُنْ)]! ولها ضربٌ مثلها: [مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفعُولُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفْعُولُنْ]!
أو أن يأتيَ مشطورًا مقطوعًا أو منهوكًا مقطوعًا [مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفعُولُنْ]! [مُسْتَـفْعِـلُنْ مَفعُولُنْ]!
وكذلكَ أن يأتيَ ضربُهُ مقطوعًا مُذالًا [( مَفْعُولانْ)]! لعروضِهِ الأولى الصحيحةِ كما مرّ سابقًا.
6- ويلتبسُ الرّجَزُ بالكاملِ والسريعِ والوافرِ (راجع درسَ التشابهِ في البحورِ الشعريّةِ).