البابُ الثالثُ الزّحافاتُ والعللُ
الدرسُ الأولُ الزِّحافُ
مقدّمة:
علِمنا من الدروسِ السّابقةِ أن البحورَ الشّعريّةَ ستّةَ عشرَ بحرًا، بمعنى ستّةَ عشرَ ترتيبًا للتّفاعيلِ،
ولكنْ أيعقلُ حصرُ ملايينِ الأبياتِ الشعريّةِ في تأريخنا الشعريِّ المَديدِ بهذهِ الهيئاتِ أو الأوزانِ الستّةَ عشرَ؟
وماذا يفعل الشّاعرُ إذا احتاجَ حذفَ حرفٍ أو تسكينَ متحرّكٍ أو تحريكَ ساكنٍ من التفاعيلِ؟
هل يفقد الشعرُ قوانينَ نظمهِ؟
لقد درسَ الفراهيديُّ أوزانَ آلافِ الأبياتِ الشعريَّةِ في زمانهِ واكتشفَ أن ليس كلُّ الشّعرِ ملتزمًا بهذهِ التّفعيلاتِ
حيث وجد تغييراتٍ طرأت على هذه التّفاعيلِ، ولم تمنع هذه التّغييراتُ من أن يبقى الشّعرُ شعرًا.
إنّ هذه التغييراتِ في التفاعيلِ العشرِ تمنحُ الشاعرَ حريةً أكبرَ في اختيارِ المفرداتِ إضافة لمزيدٍ من تنوّعِ الأشكالِ الموسيقيةِ الشّعريةِ.
ولكن ما هي هذه التّغييراتُ؟ وهل تملك قواعدَ خاصّةٍ؟ وما هي شروطُها؟ وهل تدخلُ على كلِّ التّفاعيل؟
تقودنا هذه الأسئلةُ وغيرُها إلى مصطلحَينِ جديدَينِ علينا وهما الزِّحافُ والعلّةُ.
ما هو [الزِّحافُ]*:
هو تغييرٌ مُختَصٌّ بثوانيَ الأسبابِ فقط سواءٌ أكان السببُ خفيفًا أم ثقيلاً.أي أن التّغييرَ يخصّ الحرفَ الثّانيَ من السّببِ،
فلو أخذنا التّفعيلةَ [فاعِلُنْ]! كمثالٍ المؤلفةَ من سببٍ خفيفٍ [(فَا)]@ ووتدٍ مجموعٍ [(عِلُنْ)]@،
فإن هذا التغييرَ يخصّ حرفَ الألفِ الساكنِ وهو ثاني حرفٍ من السّببِ الخفيفِ [(فَا)]@،
وكذلك التّغييرُ في [مُتَفاعِلُنْ]! فيصيبُ التاءَ وهو الحرفُ الثّاني من السّببِ الثقيلِ [(مُتَ)]@ كما يصيبُ الألفَ وهو الحرفُ الثّاني من السّببِ الخفيفِ [(فا)]@.
إذن فالزِّحافُ يصيبُ ثانيَ حرفٍ من السّببِ أينما كان موقعُهُ من التّفعيلةِ (الجزءِ).
ولكلٍّ من هذه التغييراتِ اسمٌ مخصوصٌ.
إيضاحٌ:
لو حذفنا الألفَ من السّببِ الأولِ [(فا)]@ لـ ([فاعِلاتُنْ]!) فسيكون له اسمٌ خاصٌ، ولو حذفنا النونَ من السّببِ الثاني [(تُنْ)]@ فسيكون له اسمٌ آخرُ،
ولو حذفنا الياءَ من السببِ الخفيفِ [(عِيْ)]@ في التفعيلةِ ([مَفاعِيْلُنْ]!) لكان له مسمًّى آخرُ،
وهكذا مع مختلفِ مواقعِ الحرفِ الثاني من الأسباب في جميعِ التفعيلاتِ،
ومن هنا جاء تعقيدُ علمِ العروض بمسميّاتِ الزّحافاتِ الكثيرةِ، حيث يتغير اسمُ الزّحافِ حسَبَ موقعِ السّببِ من التفعيلةِ.
ويزداد هذا التعقيدُ إذا أصاب الزّحافُ سبَبَينِ في التّفعيلةِ نفسِها (ويسمّى الزّحافَ المركّبَ أو المزدوجَ) مثل [مُتَفاعِلُنْ]!،
فلو أصابَ الزّحافُ حرفَ التّاءِ والألفِ اللذَين هما ثواني الأسبابِ، فستكون لها هي الأخرى أسماءٌ خاصّةٌ.
وسأختصر هذه الأسماءَ إلى ثلاثةٍ (بدلًا من اثنَيْ عشَرَ اسمًا) خلال هذه الدورةِ.