البابُ الثاني: التفاعيلُ الدرسُ الخامسُ: الدوائرُ العروضيّةُ
مقدمةٌ في الدوائرِ العروضيّة:
لقد قسّم الفراهيديُّ البحورَ الشعريةَ إلى مجاميعَ يجمع بينها التشابهُ في مقاطعها أي في الأسبابِ والأوتادِ،
فوضع هذه الأسبابَ والأوتادَ على محيطِ الدائرةِ الهندسيّةِ وعندما ننطلقُ من نقطةٍ معينةٍ ( قد تكون بدايةَ وتدٍ أو سببٍ)
على المحيطِ ونعود إليها نحصَل على تفاعيلِ البحرِ الفلانيِّ وحينَ ننطلقُ من نقطةٍ أخرى نحصلُ على بحرٍ آخرَ.
إن المبتدئ في الواقعِ العمليِّ لا يحتاج حفظَ هذه الدوائرِ ( وهي خمسُ دوائرِ )
إذ يستطيع الطالبُ حفظَ الأوزانِ الشعريةِ كما وردت في الاستعمالِ ( راجعِ الدرسِ الرابعِ من هذا البابِ)
وبخاصةٍ أن الأوزانَ الشعريّةَ المتولّدةَ من هذه الدوائرِ لا تطابق الأوزانَ المستعملةَ في غالبِ الأحيانِ.
ونشأ من عدمِ التطابقِ هذا الجملةُ المستعملةُ كثيرًا في كتبِ العروضِ (شذَّ عن دائرتهِ).
تجد في المثالِ التالي الدائرةَ العروضيةَ المسماةَ دائرةَ المختَـلَفِ أو دائرةَ الطويلِ
التي تجمعُ ثلاثةَ أبحرٍ وهي الطويلُ والمديدُ والبسيطُ حيث توزعت الأسبابُ والأوتادُ على محيطها،
فلو انطلقنا من نقطة (آ) باتجاهٍ معاكسٍ لعقاربِ الساعةِ لحصلنا على شطرِ بحرِ الطويلِ
وإذا انطلقنا من النقطةِ (ب) لحصلنا على شطرِ بحرِ المديدِ ومن النقطةِ (ج) لحصلنا على شطرِ البحرِ البسيطِ.
فالتفاعيل ُ من نقطة (آ) ثم العودةُ إليها (شطرُ بحرِ الطويل)كما تراها على اللوحةِ هي:
[فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن]!
ونحصل على شطرِ البحرِ المديدِ بحسابِ التفاعيلِ من النقطةِ (ب) والعودةِ إليها وهي:
[لن مفا عي لن فعو لن مفا عي لن فعو]@
وهي تساوي أو تماثلُ : [فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن]!
ونحصل على شطرِ البحرِ البسيطِ بحسابِ التفاعيلِ من النقطةِ (ج) والعودةِ إليها وهي:
[عي لن فعو لن مفا عي لن فعو لن مفا]@
وهي تساوي أو تماثلُ : [مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن]!
ونكرّر عمليةَ حسابِ التفاعيلِ مرتينِ لنحصل على شطرَيْ بيتِ ذلك البحرِ، فيكون: وزنُ الطويلِ حسَبَ دائرته:
[فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن]!
وزنُ المديدِ حسَبَ دائرته: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن
وزنُ البسيطِ حسَبَ دائرته: [مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن]!
والآن، نقارنُ بين أوزانِ البحورِ الشعريّةِ المتولّدةِ من الدائرةِ العروضيةِ السابقةِ
(الطويل، المديد والبسيط) وبين أوزانها المستخدمةِ فعليًّا في الشعرِ العربِيِّ.
لقد علمنا من الدرسِ الرابعِ أن الوزنَ الرئيسيَّ المستعمَلَ لبحرِ الطويلِ هو:
[فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن]!
لاحظ أن العروضَ [مفاعلن]! وليست [مفاعيلن]! كما جاءت في الدائرةِ العروضيّةِ،
وإن [مفاعيلن]! قد تغيّرت إلى [مفاعلن]! (وسندرس هذا التغييرَ في البابِ الثالثِ - بابِ الزِّحافاتِ والعللِ).
ولهذا السببِ فقد وُجَّهَت سهامُ النقدِ لنظريةِ الدوائرِ العروضيةِ للعبقري الخليلِ الفراهيديّ
لكونها لا تعكس الواقعَ الشعريَّ المستعملَ عند العرب،
ولن أخوضَ في هذا الجدالِ ولكن َّ نقدَ العبقريةِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ يتم بأخذِ ظروفها بالنظرِ والتقديرِ
ولو عاش العلّامةُ الخليلُ في هذا الزمان لاستخدم رياضياتِ آينشتين وبرتراند رسل بديلًا عن الدوائرِ التي تجسِّدُ مستوى العلمِ في ذلك الزمان.
ووزنُ المديدِ حسَبَ الاستعمالِ ( راجع الدرسِ الرابعِ من البابِ الثاني) هو: [فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن]!
فقد أُسقِطتِ التفعيلةُ الأخيرةُ من الشطرِ الأولِ والثاني، فلا يأتي المديدُ إلا مجزوءًا وهذا هو معنى الجَزْء.
إذن، لا نرى هنا أيضًا تماثلًا بين تفاعيلِ المديدِ حسَبَ دائرته وبين استعماله الشعريِّ عند العرب.
ووزنُ البسيطِ حسَبَ الاستعمالِ ( راجع الدرسَ الرابعَ من البابِ الثاني) هو: [مستفعلن فاعلن مستفعلن فعِلُنْ مستفعلن فاعلن مستفعلن فعِلُنْ]!
وإن العروضَ والضربَ المستعملَ في الواقعِ الشعريِّ هو [فَعِلُنْ]! وليس [فاعلن]! كما جاء في دائرته.
ولكلِّ ما سبقَ من الاختلافاتِ بين أوزانِ البحورِ المتولّدةِ من الدوائرِ العروضيّةِ عن استعمالاتها الحقيقيةِ،
أنصحُ المبتدئَ أن لا يركّز على الدوائرِ العروضيّةِ وأن يحفظَ أوزانَ البحورِ الشعريّةِ كما وردت في الاستعمالِ
( تجدها في الدرسِ الرابعِ من هذا البابِ وكذلك في بابِ البحورِ)،
لأن المبتدئَ سيحفظُ الدوائرَ ويحفظُ التغييراتِ التي أصابت تفاعيلَ الدائرةِ وبهذا سيتعب كثيرًا
وستشرح الدورةُ بقيّةَ الدوائرِ بعدَ إكمالِ جميعِ الدروسِ لمن رغبَ في الاستزادةِ.