البابُ الثاني: التفاعيلُ
الدّرسُ الثاني: الخطوةُ الثانيةُ: الأسبابُ والأوتادُ والفواصِلُ
وضع الفراهيديُّ تسمياتٍ خاصةً للمقاطعِ الصوتيةِ العروضيّةِ - إضافةُ كلمةِ العروضيّةِ تمييزًا لها عن معنى المقاطعِ الصوتيّةِ عند الغربيين وبعضٍ من المحدثينَ العرب - وعددِ أحرفِها وهي:
1- الأسبابُ (مفردُها السببُ وهو الحبلُ): والسّببُ مقطعٌ صوتيٌّ مؤلفٌ من حرفينِ وينقسمُ إلى نوعين:
آـ سببٌ خفيفٌ: وهو حرفانِ أولهما متحركٌ (بفتحةٍ أو ضمّةٍ أوكسرةٍ) والثاني ساكنٌ مثلُ: قَــدْ، لَــمْ، هَـــلْ، هَرْ من كلمة هَرْوَلَ، مِسْ من كلمةِ مِسْطَرَةٌ، ورمزهُ [/0]#.
ب ـ سببٌ ثقيلٌ: وهو حرفانِ متحركانِ مثلُ: هِــيَ، بِــكَ، مَـــعَ، أو الحرفانِ ذَهَـ من كلمةِ ذَهَبَتْ ورمزهُ [//]#.
2ـ الأوتادُ (مفردُها الوتِد وكذلك بفتحِ التاءِ وهو عمودُ الخيمةِ): والوتِدُ مقطعٌ صوتيٌّ مؤلفٌ من ثلاثةِ أحرفٍ وينقسمُ إلى نوعين:
آ- وتِدٌ مجموعٌ: الحرفانِ الأولُ والثاني متحركانِ والثالثُ ساكنٌ مثلُ: رَمَى، لَكُمْ، نَعَــمْ، سَرَا من كلمة سَرَايا، مُجَا من كلمة مُجَاهِدٌ ورمزهُ [//0]#.
ب- وتِدٌ مفروقٌ: الحرفانِ الأولُ والثالثُ متحركانِ والثاني ساكنٌ مثلُ: قَالَ، أيْـــنَ، لَــيْــتَ، جَالِ من كلمةِ جَالِسٌ، سَامِ من كلمة سَامِرٌ ورمزهُ [/0/]#.
3- الفواصِلُ:
آ- فاصِلةٌ صغرى: وهي مقطعٌ صوتيٌّ من ثلاثةِ أحرفٍ متحركةِ وبعدها حرفٌ ساكنٌ نحوَ: لَعِبَتْ، رجلٌ ([رَجُلُنْ]@)، يَتَسَا من كلمةِ يتسابقُ ورمزها [///0]#.
ب- فاصِلةٌ كبرى: وهي مقطعٌ صوتيٌّ من أربعةِ أحرفٍ متحركةٍ وبعدها حرفٌ ساكنٌ نحوَ: عَبِقَةٌ ([عَبِقَتُنْ]@)، سَمَكةٌ ([سَمَكَتُنْ]@) ورمزُها [////0]#.
إن الكثيرَ من العروضيينَ يعتبرونَ الفاصلةَ الصغرى سببينِ أولهما ثقيلُ والثاني خفيفٌ []*،
فكلمةُ (لَعِبَتْ) التي وردت كمثالٍ على الفاصلةِ الصغرى مؤلفةٌ من ([لَعِ]@) وهو سببٌ ثقيلٌ و([بَتْ]@) وهو سببٌ خفيفٌ،
وكذلك الحالُ مع الفاصلةِ الكبرى والتي هي سببٌ ثقيلٌ و وَتِدٌ مجموعٌ، فكلمة سمكةٌ مؤلفةٌ من ([سَمَ]@) وهوسببٌ ثقيلٌ و([كَتُنْ]@) وهو وتِدٌ مجموعٌ،
وسنستخدم الأسبابَ والأوتادَ فقط في دراستنا ونُسقطُ الفواصلَ لتسهيل الحفظ. وتُجمعُ الأسبابُ والأوتادُ والفواصلُ في جملةٍ واحدةٍ:
لـَـــــمْ أرَ عَــلَــى ظَـــهْــرِ جَـــبَـــــلٍ سَــمَـــكَــــةً
[لَــم]@ ـ سببٌ خفيفٌ
[أر]@َ ـ سببٌ ثقيلٌ
[عَـلَى]@ ـ وتَدٌ مجموعٌ
[ظَــهْرِ]@ ـ وتَدٌ مفروقٌ
[جَبَلِنْ]@ ـ فاصلةٌ صغرى
[سَمَكَتَنْ]@ ـ فاصلةٌ كبرى
إذن بدلَ أن نحفظَ ترتيبَ الأحرفِ المتحركةِ والساكنةِ، سنحفظُ تواليَ الأسبابِ والأوتادِ بنوعيهما.
وبدلَ قولِ: إن الشعرَ هو توالي الحروفِ المتحركةِ والساكنةِ بترتيبٍ معيّنٍ، نقولُ إن الشعرَ هو توالي الأسبابِ والأوتادِ بترتيبٍ معيّنٍ.
وهذه هي الخطوةُ الثانيةُ من تسهيلِ فهم نظامِ الشعرِ أي العرَوض.
نختصرُ ما جاءَ في الدّرسين السّابقين بالنّقاطِ التّاليةِ:
1- علِمنا أن مِيزانَ الشّعرِ (العَروضَ) هو توالي الحروفِ المتحركةِ والسّاكنةِ بنظامٍ معيّنٍ.
2- علمنا معنى الأسبابِ والأوتادِ وأن غايتهما تسهيلُ حفظِ ترتيبِ الحروفِ المتحرّكةِ والسّاكنةِ.
3- لا ننسَ أن الحرفَ الأوّلَ من أيّ كلامٍ هو حرفٌ متحركٌ بإحدى الحركاتِ الثلاثةِ إذ لا يمكنُ بدءُ الكلامِ بحرفٍ ساكنٍ.
4- لا يمكنُ توالي أكثرَ من ثلاثةِ حروفٍ متحركةٍ (والبعضُ يقبل أربعَ حركاتٍ متواليةٍ ولكنها قبيحةٌ وغيرُ مستساغةٍ في الشّعرِ وستهمل)[]*،
إذ لا بد ّ من مجيءِ حرفٍ ساكنٍ بعد الحروفِ الثلاثةِ المتحرّكةِ.
5- معنى العَروضِ هو الإيقاعُ المتولّدُ من توالي الحركاتِ والسكناتِ في البيتِ الشّعريِّ بنظامٍ أو وزنٍ معيّنٍ،
وقد اكتشفَ الخليلُ الفراهيديُّ خمسةَ عشرَ وزنًا من هذه الأوزانِ، ثم جاء الأخفَشُ واكتشفَ الوزنَ السادسَ عشرَ، وسيأتي شرحُ ذلك لاحقًا.
أي: إن نظامَ توالي الحروفِ المتحرّكةِ والساكنةِ هو العَروضُ.
6- ليس لنوعِ الحركةِ (ضمّةٍ أو فتحةٍ أو كسرةٍ) أيُّ تأثيرٍ على إيقاعِ الشّعرِ، فمثلًا كلمةُ (حازِمٌ) مكونةٌ من ([حا]@) + ([زِمُنْ]@)، والمقطعُ الصوتيُّ ([حا]@) مكوّنٌ من حرفينِ:
الأولُ متحركٌ والثاني ساكنٌ أي سببٌ خفيفٌ (حسَبَ التّـعريفِ)، وَ([زِمُنْ]@) مكونةٌ من حرفينِ متحركينِ وساكنٍ، أي وتدٌ مجموعٌ ،
إذن كلمةُ حازِمٌ مؤلفةٌ من سببٍ خفيفٍ ووتِدٍ مجموعٍ، والآن نقارنُ هذه الكلمةَ بكلمةِ (جَيّدٌ) والمؤلفةُ من ([جَيْ]@) وهوسببٌ خفيفٌ و([يِدُنْ]@) وهو وتدٌ مجموعٌ،
إذن كلمة حازِمٌ متماثلةٌ في وزنها العَروضيِّ مع كلمةِ (جَيّدٌ) بالرّغمِ من اختلافِ الحركاتِ على حروفِ كلتي الكلمتينِ، فوزنهما عروضيًّا واحدٌ وإيقاعهما واحدٌ،
فالمهمُّ هو موقعُ الحرفِ المتحرّكِ والسّاكنِ من الكلمةِ.