البابُ الثالثُ الزِّحافاتُ والعللُ
الدرسُ السادسُ المُعاقبةُ والمُراقبةُ والمكانفةُ
لقد وردَ في الدروسِ السابقةِ أن تواليَ أربعةِ حروفٍ متحركةٍ أمرٌ مكروهٌ في الشعرِ العربيِّ، وعدمُ جوازِ توالي خمسِ حركاتٍ.
ولذلك عمد العروضيونَ إلى استنباطِ بعضِ القواعدِ التي تمنع هذا التوالي (حسَبَ رأيي) فأخرجوا لنا ثلاثَةَ مصطلحاتٍ هي: المعاقبةُ والمُراقبةُ والمكانفةُ.
المُعاقبةُ: وهي تجاورُ سببَينِ خفيفينِ، يمتنعُ زِحافُهما (خبنهما بخاصةٍ) معًا، ويجوز سلامتُهما، أو سلامةُ أحدِهما (لا بعينهِ)،
وتكون في تفعيلةٍ واحدةٍ كَـ [(مُسْ)]! و[(تَفْ)]! من [(مُسْتَفْعِلُنْ)]! حيث يمتنعُ خبنُ ثاني ورابعِ [(مُسْتَفْعِلُنْ)]! سويةً أي الخبنُ والطيُّ إذ تؤولُ إلى [(مُتَعِلُنْ)]! التي تماثلُ [(فَعِلَتُنْ)]!، وتجد هنا تواليَ أربعِ حركاتٍ.
وكذلك تجاورُ سببينِ خفيفينِ في تفعيلتينِ متجاورتينِ كـَ [(تُنْ)]! و [(فا)]! من [(فاعلاتُنْ فاعلاتُنْ)]! حيث يمتنع خبنُ السابعِ (الكفُّ) من التفعيلةِ الأولى وخبنُ الثاني من التفعيلةِ الثانيةِ معًا،
إذ تؤولُ إلى [(فاعلاتُ فَعِلاتُنْ)]! التي يتوالى فيها أربعُ حركاتٍ. إذن يجب سلامةُ أحدِ السببينِ المتجاورينِ من الزِّحافِ (الخبنِ بخاصةٍ). ويجوز سلامةُ السببَينِ المتجاورَينِ من الزِّحافاتِ.
والأفضلُ للطالبِ أن يمتنعَ في محاولاتهِ الشعريّةِ عنِ الإتيانِ بأربعِ حركاتٍ.
ولقد أفاضَ العروضيونَ في شرحِ حالاتِ المعاقبةِ وأطلقوا نعوتًا على الجزءِ المُزاحَفِ فقالوا:
يُسمّى الجزءُ المزاحَفُ صدرًا لوقوعِ الزِّحافِ في صدرهِ (أوّلهِ)، أي زوحفَ أولُ الجزءِ كي يسلم الجزءُ الذي قبلهُ مثلًا:
في التفعيلتين المتجاورتينِ [(فاعلاتُنْ فاعلنْ)]! تجري مزاحفةُ [(فا)]! من [(فاعلُنْ)]! كي تسلمَ [(تُنْ)]! من [(فاعلاتُنْ)]!.
ويُسمّى عَجُزًا لوقوعِ الزِّحافِ في عجُزِه (آخرهِ)، أي زوحفَ آخرُ الجزءِ كي يسلم الجزءُ الذي بعده مثلًا:
في التفعيلتين المتجاورتينِ [(فاعلاتُنْ فاعلُنْ)]! تجري مزاحفةُ لأ(تُنْ)]! من [(فاعلاتُنْ)]! كي تسلمَ [(فا)]! من لأ(فاعلُنْ)]!.
ويُسمّى طرفينِ لوقوعِ الزِّحافِ في صدرهِ وعجُزِه (أي أولِه وآخرهِ)، أي زوحفَ أولُ الجزءِ وآخرُهُ كي يسلم الجزءان اللذانِ قبلهُ وبعدهُ مثلًا:
في التفعيلاتِ التاليةِ [(فاعلاتُنْ فاعلاتُنْ فاعِلُنْ)]! تجري مزاحفةُ [(تُنْ)]! من [(فاعلاتُنْ)]! الثانيةِ كي تسلمَ [(فا)]! من [(فاعلُنْ)]! كما تجري مزاحفةُ [(فا)]! من [(فاعلاتُنْ)]! الثانيةِ كي تسلمَ [(تُنْ)]! من [(فاعلاتُنْ)]! الأولى،
وكذلك إذا خُبِنَ ثاني [(تُنْ)]! من [(فاعِلاتُنْ)]! الأولى، يمتنع خبنُ ثاني [(فا)]! من [(فاعِلاتُن)]! الثانية، وقس على ذلك في الحالات الأخرى.
وبإمكانكَ معرفةُ البحورِ التي تدخلُ المعاقبةُ عليها من الجدولِ التوضيحيّ أسفلَ هذا الدرسِ.
المراقبةُ: تجاورُ سببينِ خفيفينِ في تفعيلةٍ واحدةٍ، وقد سلمَ أحدهما وجوبًا من الزّحافِ ( الخبن بخاصةٍ)، وزوحفَ الآخرُ وجوبًا.مثال:
وجوبُ خبنِ السابعِ ( الكفّ) من ( مفاعِيلُنْ) أو خبنِ الخامسِ (الطي) [(مفاعِيلُنْ)]! ، إذ لا يجوز بقاء [(مفاعِيلُنْ)]! من دون خبن خامسها أو سابعها.
وبإمكانكَ معرفةُ البحورِ التي تدخلُ المراقبةُ عليها من الجدولِ التوضيحيّ أسفل هذا الدرسِ.
المكانفةُ: تجاورُ سببينِ خفيفينِ في تفعيلةٍ واحدةٍ، وقد زوحِفا معًا، أو سلِما معًا ، أو زوحِفَ أحدهما وسلمَ الآخر،
أي السماحُ بجميع الاحتمالاتِ الممكنةِ، فمثلًا يمكنُ خبنُ الثاني والرابعِ من التفعيلةِ [(مُسْتَفْعِلُنْ)]! أو خبنُ الثاني أو خبنُ الرابع أو سلامةُ التفعيلةِ من أيِّ زِحاف (الخبنُ بخاصةٍ).
وفي الواقع الشعريِّ إن خبن ثاني ورابع [(مُسْتَفْعِلُنْ)]! معًا يقودُ إلى توالي أربعِ حركاتٍ [(فَعِلَتُنْ)]! وهو أمر يناقض موسيقى الشعرِ وإيقاعهِ.
وبإمكانكَ معرفةُ البحورِ التي تدخلُ المكانفةُ عليها من الجدولِ التوضيحيّ أسفل هذا الدرسِ.