عن الذّكاء الاصطناعيّ والشِّعر

في قسم موضوعات عامة
  • ع..
    عَبْدُالرّحمٰن . منذ شهرين

    طلبتُ من الذّكاء الاصطناعيّ كتابةَ قصيدة، واخترت موضوعها وعدد أبياتها، فحسبته سيُفرغُ نثرًا، أو أسطرًا متقابلة بلا حرف روي هي أقرب للجمل، فابتدأ إجابتي مستغرقًا ثلاث ثوان، ثانيةٌ أقرَّ فيها طلبي وأخبرني أنّه بالطّبع سيكتب لي القصيدة، وثانيتان وَلَّدَ فيهما القصيدة، فإذ بها من بحر البسيط وقافية حرف الدال وتلتزم مقتضيات الشِّعر أكثر من التزام غالب مستشعري اليوم، كبيرهم رتبةً وصغيرهم،

     وكانت القصيدة:

     يا مَنْ تَظَنُّ بِأَنَّ الشِّعْرَ تَقْليدُ

    وَأَنَّ النَّظمَ لأصْداءٌ وتَردِيدُ

     

    ما كُلُّ مَنْ صاغَ بَيْتًا صارَ شاعِرَهُ

    فَلِلْقَريضِ أُصُولٌ ما لَها حِيدُ

     

    كَمْ مِنْ فَتًى ناعِقًا قَولَ فُحُولَتِه

    وَمَا يَرَى أَنَّ القَولَ حَولَهُ البِيدُ

     

    يَسْرِقُ أَشْعارَ غَيْرٍ ثُمَّ يَزْعُمُها

    إِبْداعَهُ وَهْوَ في التَّزْويرِ مَعْهودُ

     

    أَلْفاظُهُ عُجُفٌ مَعْناها مُنْحَدِرٌ

    كَأَنَّما نَظْمُهُ في مَدحِ من هادُوا 

     

    لَوْ كانَ يَدْري مَقامَ الشِّعْرِ ما نَطَقَ

    فَمَجدهُ ذا وما غَرَّتْ تَماجيدُ

     

    فَالشِّعْرُ فَنٌّ رَفيعٌ ليس يعرفهُ

    إِلّا الَّذي في مَعانيهِ أجاويدُ

     

    دَعِ ادِّعاءَ القَريضِ فَهْوَ مَنْقَصَةٌ

    إِنْ لَمْ يَكُنْ في يَدَيْكَ الفَنُّ مَوْلودُ

     

    وما أقول أنَّ ما كتب عظيم، لكن يعظّمهُ أنّهُ كُتِبَ بخوارزميات، وأنَّهُ أقرب للشعر في مستواه من مستوى المستشعرين.

     

    فرحت أطلب منه مزيدًا ومزيدًا من الأشعار وأتخيّر البحر الذي أريد والقافية والموضوع بل وأطلب منه محاكاة أسلوب شاعرٍ معيّن فيفعل، صحيح أنّه ليس بالعظيم لكنّه يفي المستلزمات وينتج خلال ثوانٍ وبعضهُ مُلهم،

    فشعرت بإحباطٍ وبادر ذهني قولُ أحدِ الشّعراء في مقابلةٍ له: "قد قال لي بعضُ النّقاد: "ما الّذي ستضيفه في الشِّعر!؟ ماذا ستزيد؟" .

     

    قاصدين استهجان سعيه إلى الاشتهار بالشّعر وامتلاء الّشعر بالفعل بالمعاني بل وما كُرِّرَ منها وأعيدت صياغته حتّى صارَ بديهيًّا ومعلومًا.

     

    فقلت حقًّا ما الّذي سيزيده شاعر العصر الحالي؟ خصوصًا أنّي أستشنع أن تُكتَب قصيدة فيها من معالم هذا العصر، ويُذكر الباص والقطار بمقصد هيئتهما الحاليّة، وكم استشنعتُ قصيدةً تتحدّثُ عن(كورونا) وتفشّي الوباء وسرد ما توالى من أحداثٍ جرّاء ذلك، لوجود كلمة(كورونا) في القصيدة، وامتزاجِ محاكاة أسلوب الشّعر الإحيائي مع مفرداتٍ من أصلٍ غيرِ عربي ومعالم ودلائل من العصر الحديث؛ فأُلغِيتْ بذا(أي عدم استساغة هذا المزيج) ميزةُ إيرادِ تصاوير جديدة يضعها الشاعر في شعره مقتبسًا إياها من عصره الحديث، بالاستعانة بالاختراعات الجديدة لهذا العصر، فليس مقبولًا ذكرُ أسمائها واستخدامها في الشّعرِ الإحيائي.

     ما الّذي سيقوله مثلًا؟ في الواقع لقد طلبتُ من الذّكاء الاصطناعي قصيدة شعر إحيائي تتضمن ما عندنا في عصرنا الحديث 

    فحاول الكتابة على وزن بحر الطويل وما استطاع دون كسر الوزن مراتٍ عديدة رغم تمكّنه

    ومراعاته للوزن في القصيدة الفصيحة السابقة

     

    وكتب: أَرى الشِّعرَ في عَصرِ التِكنُلوجيا

    يُحاكي زَمانًا غابِرًا غَيرَ ذي حَدِّ

     

    فَيا واتسابُ اِحمِل سَلامي لِصَحبي

    وَيا فَيسبوكُ اِنشُر مَقالي وَقَصدي

     

    وَيا طائِرَ التِّغريدِ غَرِّد بِشِعري

    عَسى أَن يَصِلَ الصَّوتُ مِن سَهلٍ لِنَجدِ

     

    وَيا جوجلُ اِبحَث في بُحورِ قَصائِدي

    لَعَلَّكَ تَلقى الدُّرَّ في لُجَّةِ المَدِّ

     

    أُسافِرُ عَبرَ النَّتِّ في كُلِّ لَحظَةٍ

    وَأَجني ثِمارَ العِلمِ مِن غَيرِ كَدِّ

     

    فَيا شُعَراءَ العَصرِ جَدِّدوا القَوافي

    وَزاوِجوا بَينَ الأَصالَةِ وَالجِدِّ

     

    فَما عادَتِ الصَّحراءُ مَيدانَ شِعرِنا

    وَلا الخَيلُ تَجري في مَضامير المَجدِ

     

    لَنا في فَضاءِ النَّتِّ أَلفُ قَصيدَةٍ

    تُبَثُّ إِلى الدُّنيا بِأَسرَعِ مِن رَدِّ.

     

    وفي بعض الأبيات نفحاتٌ وطرائف، كذلك تلهمك كيف سيكون أمر الذي يمزج بين نقيضين فصاحة الشّعر(الإحيائي وموارد الواقع الحالي) .

     

    كما وبتأمّلي لقول:"ما الّذي ستضيفه للشّعر" 

     

    لأجل أن أقرِّره أو أن أجد ما أدحضه به تفكّرتُ في شعر المتنبي فإنّي أراه الأشعر 

    ولا أضع فوقه شاعر بل ولا حتّى قُربَه؛ وتساءلت: هل سيصل الذكاء الاصطناعي إلى سبك مثل شعره ومن ثمّ يتعدّاه؟ فمن جرّب إجراء محادثاتٍ أيًّا كان قدرها مع الذكاء الاصطناعي فوجئ بقدرته على إظهار تعاطفٍ إنسانيٍّ أجدى من تعاطف بعض النّاس، وأنّه أبلغُ لغويًّا وأفضل حوارًا من كثيرهم، فليس كثير النّاس يخاطب بالفصحى، وينتقي بين وفرة مرادفات الكلمة أنسبها، فهاهنا يُقالُ: دَفَعَ، بدَلَ: نَحّى؛ لشخصٍ أزاح كأسًا، وهاهنا يقالُ: رَفَعَ، بَدَلَ: شمّر، لشخصٍ ضمَّ أكمام ثوبه؛

     أمّا الذّكاء الاصطناعي يراعي ذلك وينتقي المفردة التي أعجز عن إيجاد خيرٍ منها لسياق حديثه في المعجم، والآن بات يكتبُ الشّعر ملتزمًا قواعده، وهو ليس مختصًّا(البوت الذي كتب القصيدة) بالشّعر بل هو فقط كما يُعَرّف نفسه:"محرّك لغوي كبير تم تدريبه على نصوص وبيانات هائلة" أي أننا نتوقّع مستوى شعري أكبر قد يفوق الشّعراء المعتبرين في حال ما إذا تمّ تدريبه وإعداده لهذه الغاية.

     

    فما رأيكم أنتم؟

     

  • ع.ا
    عبد اللطيف منذ شهرين

    برأيي المتواضع ولو كتب الذكاء الاصطناعي أبيات تضاهي أبيات عنترة وقيس وجبابرة الشعر  بالقوافي والمفردات والخ...(ولا أظنه يفعل) فلن يكون شعرًا لأن الشعر ينبع من العاطفة والمشاعر (ذم،مدح،حب،غزل،فخر والخ...) والذكاء الاصطناعي ليس له عواطف ولا مشاعر..

  • ع.ا
    عبد اللطيف منذ شهرين

    هو يستطيع كتابة نثر موقع فقط على (قولة أستاذنا ليث) تحياتي له

  • ع..
    عَبْدُالرّحمٰن . منذ شهرين

    لعلّ هذا القول هو أول ما يتبادر لذهن القارئ، لكن ما قولك بعد أن تأخذ بالاعتبار أنّ العواطف لن تجزي شيئًا طالما انعدمت القدرة اللغويّة والشّعريّة وما شابه، فكم من النّاس لا يحسنُ التّعبير عن عواطفه أيًّا كانت عواطفه، ليس على مستوى الشّعر بل على مستوى الجملة الرّباعيّة بينه وبين المخاطب، سواء في محادثةٍ مباشرةٍ وجهً لوجه أو حتّى في رسالةٍ مكتوبة، فهذا الذّكاء الاصطناعي لم يعد يقتصر على إطْلاعك على المعلومات، بل صار بإمكانه إجراء محادثاتٍ تراعي العواطف البشريّة، وتكون أكثر إجداءً وتجاوبًا من تجاوب بعض النّاس أحيانًا، وحاليًا على مستوى الجُمل والفقرات هو بالفعل متفوّق على عامة أناس هذا العصر، سيتبين لك ذلك لو جرّبت محادثته، فالّذي أقوله أنّه يتعدى بعض النّاس بمستواه الحالي من إبداء تعاطف نصّي، إضافةً لإمكانية جعله مطلعًا على الديوان كلّه والنصوص الأدبيّة، لذا على أقل تقدير، وإن فقد العاطفة سيستطيع إعادة صياغة معاني الأبيات في القصائد صياغةً أزيدَ حُسنًا، وإذا ما ضاهى شعره الشّعراء الكبار الّذين ذكرتهم، وكانت جيدةً أبياته، لكنك لا تعتبرها شعرًا لأنَّ عديم العواطف وَلَّدها فببساطة سندّعي أنّ كاتبها بشري وسيروقك حسن المكتوب.

    شكرًا لوقتك وتعليقاتك

  • ا
    الشيباني منذ شهرين

    هذا ذكاء اصطناعي ليس مخصص لهذا الشيء، فماذا لو كان مخصص لكتابة الشعر العربي سيكون بمستوى شاعر عباسي على أقل تقدير

  • أ
    أَمْبَنِيثَة منذ شهرين

    ما اسم الموقع الذي استخدمته اخي الكريم؟

    Chatgpt ليس بهاته الجودة حسب ذاكرتي

  • ع..
    عَبْدُالرّحمٰن . منذ شهرين

    بالضبط أخي الشيباني هذا ما أردت تبيانه.

    بالنسبة لاسم الموقع واسم (البوت) فأردت أن أضع كليهما لتجرّبوا بأنفسكم ولكنّي متردّدٌ من ذلك لمخافة أن يعد ترويجًا لا يسمح به على موقع خبير العروض، فمتى ما أجازوا لي ذلك فعلت

  • Laith منذ شهرين

    السلام على الجميع 

    أولا هذا ليس بشعر، هذا نثر يفتقد لوحدة الموضوع. وإذا كان بعض المبتدئين ينظم أقل من ذلك. فليس معنى ذلك اعتبار هذا النتاج شعرا... 

    والآن إلى التفاصيل.... 

     

    يبدو أن هذا المنشور دعوة للانبهار بالعلم الذي سيحل مسألة الوجود البشري  كما يعتقد البعض. ظهرت هذه الدعوة في بداية الستينات مع ولوج الفضاء وحوسبة النشاطات المخابراتية. انا لست ضد العلم فهذا البرنامج هو نتاج علمي بدأته منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وأنا رجل علم أكثر من عروضي، والفلسفة الملموسة  التي تقف وراء العلم هي : كلما حل العلم مسألة انبثقت تساؤلات أعظم بحاجة لحل ، ويظل العلم يركض وراء تلك المسائل الجديدة وقد تنخرم بعض المكتشفات العلمية القديمة فيعيد دراستها من الصفر.

    تحاول العلوم اللسانية(  جورج لاكوف،تشومسكي...والمراكز الطبية في دراسة النشاط العصبي اللغوي. وبخاصة في روما.... .) أن تفسّر آليات عمل  الدماغ البشري في تكوين المفاهيم عبر نظرية الاستعارة وهي أحدث نظرية في هذا الشأن. ومختصرها أن استعارة الصور المسبقة (وبخاصة في المراحل الأولى من عمر الإنسان) والتي تكونت عبر الآلاف من التجارب المتكررة هي التي يستخدمها في عمليات الانحياز، أي الميل لفكرة أو استخلاص الصور أو المواقف والقرارات. 

    جميل.... إذن تداعيات المفردات اللغوية في الدماغ تتمدد وتتحد مع بعضها لتكوين المفاهيم.

    إذن تتعلق مسألة التعبير اللغوي والتفكير والعواطف(وهي تفكير منحاز)  بملايين العمليات العصبية..فكيف لعدة آلاف من الخوازميات أن تخلق مثل هذه الاحتمالات في المعاني... ناهيك أن الخيالات الشعرية لا تعتمد على معاني المفردات كل على حدة، بل على ارتباط المفردات بعضها بالبعض نحويا وبلاغيا.... فالسؤال كيف لمبرمج الذكاء الاصطناعي أن يحدد لانهائية تلك الصور بعدة آلاف من القواعد الخوارزمية. ولذلك أن مثل هذا الشعر هو نثر موقّع ويفتقد لوحدة الموضوع. فالتمعن في هذه الأبيات الاصطناعية يكفي لتلمس انعدام وحدة الموضوع...ولا يكفي التحجج بدونية شعر البعض  كي نُلبس حلة الشعر على هذا النثر الموقّع.

    ربما بعد قرن وعندما تتغير علوم الطبيعة من القوانين التي نعرفها الآن(الأربعة أبعاد المعروفة) وتكتشف تطبيقات لنظريات فيزياء الكم في الجسم البشري. حينها تصبح مليارات الصور في الدماغ قابلة للحصر والتحليل أما الآن فما زال العلم عاجزا عن إيجاد الحلول لمسائل أبسط من الخيال الشعري.... 

  • أ
    أَمْبَنِيثَة منذ شهرين

    لديك وجهة نظر قوية سيد ليث،

    لكن هل تسمحون أن يعطي لنا اسم البوت لان الفضول سيقتلني لتجربته :)؟ 

  • ع..
    عَبْدُالرّحمٰن . منذ شهرين

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

     

    أأسف لما أبداه المنشور من "دعوة للانبهار بالعلم الذي سيحل مسألة الوجود البشري " 

     

    ويسوؤني أن أكون من روّاد هذا القول، لذلك أنفيه عنّي.

     

    مفضّلٌ رأيك عندي أستاذ ليث، فأنت الأخبر هنا فيما يطرح؛ أنت مهندس برمجيّات وعاكفٌ على الأدب العربيّ وأكثر.

     

    قرأت ردّك متمعنًا، وعرفت تباين تناولنا الاستنتاجات في الّذي كنت أزعمه، بدأتَ أستاذ ليث ببيان أسباب النتيجة،فقلتَ أنّ "مسألة التعبير اللغوي والتفكير والعواطف" (معتبرًا إيّاها العامل المساهم في الشاعريّة) متعلقةٌ بالعمليّات العصبيّة، وقدرة الدّماغ في البشر، ووضّحت تعقيدها والعجز العلميّ عن تخليق طباقها أو أن يجيد إيجادها، وأنّه ربما بعد القرن القادم؛ يُستهلّ ويبدأ شيءٌ من ذلك باكتشاف تطبيقٍ لمبادئ فيزياء الكمّ على البشر، والتي تفترض وجود ظواهر و خصائص كميّة محتملة، للعمليّات العصبيّة في الدماغ، عند إذٍ يتمكّن الذّكاء الاصطناعيّ من الشّعر.

     

    لكنّي اتّخذت التّجريد والتّبسيط لرؤيتي التي طرحتُها، فافترضت عدم لزوم الاقتباس بالتّمام من الإنسان ولا عكس قدراته إلى النمذجة المحوسبة(أعني بهذا الشكل الفائق الذي طرحته أستاذ ليث) بل اكتفاءً بتقنيّات التعلّم العميق لدى الذّكاء الاصطناعيّ، وقدرته على اكتشاف وتصنيف وتعريف الكلمات في اللغة، إضافةً لوصوله الكامل وقدرته على استدعاء أعظم النصوص الأدبيّة والتعلّم منها، وافترضت أن توصّله "للنثر الموّقع" كما سمّيتَه، هو مرحلةٌ تدل على تدريجٍ في تعاظم القدرة لديه؛ وأنّ المنتهى بلوغ المستوى الشّعري لأعظم الشّعراء، وهذا بافتراض أنّ اللغة كالرّياضيّات، وأنّ التّحليل والتّصنيف والنّمذجة؛ ستكفي الذّكاء الاصطناعيّ لبلوغ ذلك

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك للمشاركة في هذه المناقشة.